الخصائص الأدب العربي فى عصر الأندلسي

المقدمة

كما عرفنا بأن الفتح الأندلس إستمرارا لحركة الفتح العامّة لنشر الدعوة. ثم كان العرب يخافون ان يثب القوط و الإفرنجة – ومن ورائهم الروم – على إفريقية من جديد. ويبدو أن يليان كان رجلا من الأفارقة وزوجا لبنت غيطشة ( ملك القوط الشرعى المخلوع ) واليا من قبل القوط على سبتة. وكذلك كان ناقما على لذريق ملك القوط المغتصب. وقام يليان بمفاوضة موسى بن نصير لتسهيل فتح الأندلس على العرب. وبعد أن أرسل موسى بن نصير حملتين استكشافيتين فى عامين متواليين بقيادة يليان ( 90 ه ) ثم بقيادة مولاه طريف ( 91 ه ) أرسل حملة للفتح ( 92 ه = 711 م ) بقيادة مولاه طارق بن زياد.

فى سنة 92 للهجرة افتتح موسى بن نصير وعامل الوليد بن عبد الملك على أفريقية مولاه طارق بن زياد جزيرة الأندلس, فصارت بذلك عمالة أموية, يولى عاملها من قبل الخليفة تارة ومن الوالى بالقيروان أخرى, وبقيت تحت سلطانهم إلى سنة 138 أى ( 46 ) عاما تولى الإمارة فيها ( 20 ) عاملا, وانقضى رجل هذه المدة فى فتح وجهاد, وقتال وجلاد, وباقيها فى خلاف شديد ونزاع مبيد, وفتن داخلية, أشدها ما كان بين اليمانية المضرية, وهم السواد الأعظم من سكانها.

وفى سنة 138 للهجرة أتى عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ومولاه بدر هذه البلاد (فارا من عسق العباسيين, وبغيهم على أشراف الأمويين وأعوان دولتهم, والتنكيل بمن يظفرون به من أبناء الخلفاء, والتضييق ونصب الحبائل لهم فى كل صقع وواد).

فأسس فى جزيرة الأندلس دولة أموية عربية, لتقوم مقام دولتهم بالمشرق التى بنى العباسيون على أنقاضها ملكهم الفخم, وسلطانهم الضخم, وساعده على ذلك عزيمة صادقة, وشيعة أموية, وفتن مستحكمة بين القحطانية والعدنانية, من جراء تولية الإمارة, وتملك مقاليد الزعامة. واستمرت تلك البلاد خاضعة لهم, إلى سنة 242 أى ( 284 ) سنة تولى فيها من الأمراء والخلفاء (15) رجلا, قطعت فيها الدولة من الحضارة والغضارة والرقى الحسى والمعنوى شوطا طويلا, وسارت فيه إلى أبعد غاية وأقصى مدى.

ثم ضعف سلطانهم, (سنة الله فى خلقه) فاستقلت أطرافها, وتغلب فى كل جهة منها متغلب من العرب والموالى والبربر, وتقسموا ألقاب الخلافة فيما بينهم : فمن مقتدر إلى معتضد, ومن مستعين إلى معتمد, حتى كثرت الألقاب, وتعددت الخلافات فذهبت بهجتها و قلت روعتها, وقال فيها شاعرهم :

ممايزهدنى فى أرض أندلس          تلقيب معتضد فيها ومعتمد

ألقاب مملكة فى غير موضعها       كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد

وهؤلاء هم المسمون فى تاريخ البلاد (ملوك الطوائف), وقد كانوا (على كثرتهم) يفاخر كل منهم جاره, ويسعى فى الفوق عليه بترقية بلاده, واتساع رقعتها, وبسط نفوذه على مجاوريه بالقتال الدائم, والنزاع المستمر, مما سهل للعدو طريق الوصول إليهم, والتغلب عليهم. ودامت دولتهم إلى سنة 383 أى (62) سنة.

ومن أشهر ملوكهم : بنو عباد بإشبيلية, وبنو الأفطس ببطليوس, وابن ذى النون بطليطة, وبنو هود بسرقسطة, وليب العامرى بطرطوشة, والمنصور المعافرى ببلنسية.

 

البحث

الخصائص العامّة فى الأدب فى العصري الأندلس

اقام العرب فى ربوع الأندلس نحوأ من ثمانيّة قرون فعرفوا فيها أرضاً جديدا و مجتمعا جديدا و حيّاة جديدةً و ظروفا تختلف تمام الاختلاف عن الظروف التي كانت للمشارقة. فلم يكن من تأثّر الأدب الأندلسي بهذه الحياة الجديدة و بيئتها فتكون له خصائص مستمدة منها, ساعدت ظروف العصر على تبلورها و استتبابها. و لقد مرّ الأدب الأندلسى بثلاثة مراحل  :

        أولّها كانت مرحلة تقليد صرف, نحا فيها الأندلسيون نحو المشارقة و الثانية كانت مرحلة انتقال, ظهرت فيها معالم تجديديّة لكنّ التقليد بقي مسيطراً عليها. أماّ الثالثة فمرحلة تجديد, تحررّ فيها أدباء الأندلس من اهل الشرق ليبدعوا أدباً نابعا من حياتهم.[1]

  1. المرحلة الأولى: تمتدّ طيلة العهد الأموي و تستغرق نحواً من ثلاثة قرون. موادها ان الشعراء و الكتاب الذين ظهروا فى هذه الفترة كانوا شديدي الصلّة بأرض المشرق الّتي انطلقوا منها بينهم الحجازي, و اليمنى, و الشامي, و العراقي و كلّهم كانوا يحنون إلى الربوع الّتي فارقوها. فاذا الشعراء الأولّون يتّغنون بارض نجد و بلاد الشام و اليمن و ينظمون شعرهم على النحو ما كان اهل الشرق ينطمونه. و لقد ظهر التقليد فى كلّ شيءٍ, فى المعاني و الأساليب و الأخيلة و الصور و الموضوعات و راج المديح و الهجاء و الرثاء و الغزل و الخمريّات.[2]

فلمّا ظهر الجيل الثاني ترسم شعرءه خطي من سلفهم لأنّهم كانوا شديدي التأثر بهم و لم تكن الفترة الزمنيّة كافيّة لأنّ تجعلهم يذوبون فى البيئة الجديدة, فقد ظلوا يحسون انّهم غرباء, و ظلّت صلتهم بالمشارقة و حنينهم الى مقاسط رؤوس ابائهم أشد. فاذا بهم ينسجون على منوالهم فى الاوزان و الأغراض و المعاني و الأساليب لكنّهم يقصرون عنهم تقصير المقلّد عن المبدع. نرى ذالك فى شعر ابن عبد ربه و ابن هانئ و ابن شهيد و ابن درّاج القسطلى بحيث تقع على مطالع غزليّة تقليديّة و وصف للطلول و للناقة و الثور و الوحي و الصحراء و خيام البدو وما الى ذالك.

و انّه لمن مقتضيات ناموس التطوّر ان لا يتجد الأدب الأندلسي طفرةً واحدةً, و لكن ليس طبيعيّا أن يظلّ تقليديّا ثلاثة قرون تقريباً, لولا أن شعراء الأندلس كانوا شديدي المحافظة على التقليد التقديم, لشعورهم بالضعف حيّال المشارقة و لكثرة ما اهتدي اليه شعراء المشرق من وجوه الإجادة و الإبداع . و لسان نلوم هولاء الأندلسيين اذا كانوا يحاولون تقليد ابي نواس و مسلم بن الوليد و ابي تمام و البحتري و ابي الطيّب المتنبّي و سواهم من قمم الشعراء المشرقي فى تلك الفترة من الزمن.

أماّ فى النثر, فإنّ الأندلسيين الأولين لم يكونوا متقدّمين على النحو ما كان كتّاب أو اخر العصري الأموي, أ وائل الأعصر العبّاسي فلم يعرفه بينهم من كان له شأن عبد الحميد الكاتب و لا شأن ابن المقفّع أو الجاحظ او سهل بن هرون. وان أولّ اديب اندلسي بالمعنى الصحيح كان مشرقيّا هو ابو على انقالي الذى استخدمه عبد الرحمن الناصر ليقوى به مملكته, اذ لم تجد فى بلاده معلمين كبارا قادرين على نشر الثقافة العربيّة بين اندلسي فعمل ابو على ذالك و قد ظلّ فى قرطبه يبث علمه حتي توفّى سنة 358 ه بعد ان اقام فى الربوع الأندلسي ثمانيّة و عشرين عاماّ.

و قد عاصر ابا على فى أواخر ايّامه أديب اندلسي المولد هو ابن عبد ربه. ألّف كتاب العقد الفريد وهو على نسق الأمالي لكنّه اوسع منه و أكثر عمقـــا, نقل فيه إلى أهل الأندلسي معارف المشارقة. ولقد روي عن الصاحب بن عباد هوه أديب كبير من أدباء الشرق انذك و وزير من وزراء الدولة البويهيّة انّه لما وصل اليه كتاب العقد الفريد قال : هذه بضاعتنا ردّت الينا, و معنى ذالك انّه كان ينتظر ان يجد فى كتاب اندلسى شيئا جديدا فما وجد. فهذه الظاهرة تدلّ على دلالة واضحة على مدى تقليد أهل الأندلس للمشارقة.

و مما امتازت به المرحلة الأولى أيضا النشاط اللغوي فقد بذذر العرب الأولون القادمون من المشرق بذورها ثم تعهدت ابو على القالي بالعناية و تخرج على يديه لفيف من الأدباء و اللغويين امثال ابن القوطيّة و هو مّؤلف كتاب الأفعال و أبي بكر الزبيدي صاحب كتاب ” أخبار النحويين” و ابن السيّد البطليسوى صاحب كتاب ” الأقتضاب” وسواهم كثير.

  1. 2.      المرحلة الثانيّة: وهي المرحلة انتقال من التقليد الى التجديد, ادراك الأندلسيون خلالها شخصيتهم و تحقق لهم التأثر الفعلي بالبيئة الأندلوسية وانمط الحياة فيها كما تعمّقت جذور الثقافة فى أراضيهم. و هكذا ظهرت ملامح التجديد فى كلّ من الشعر و النثر من غير ان يزول التقليد زوالاً نهائيّاً ثم انّ التقليد الأندلسيين للمشارقة المجددين هو نفسه لا يخلوا من تجديد.[3]

و أبرز المظاهر التجديديّة فى الشعر الأندلسي بأنّ تلك الفترة الواقعة بين أوائل القرن الخامس الهجري و أواخر القرن السادس و تتجلّى فى :

  1. العناية بالشكل, فقد فهموا الشعر عمليّة غنائيّة فنّية اكثر منه عمليّة فكريّة فصرفوا اهتمامهم الى الموسقي و الألفاظ و رشاقة التعبير و خفّة الوزن حتّى بات الشعر الأندلسي فى هذه المرحلة يمتاز عن الشعر للمشارقة بهذه الحفّة و أشراق الديباجة و قرب المتناول.
  2. الإقلميّة, و مؤادها ان الأندلسيين من الأاجيال المولّدة نسوا اوطان ابائهم و اجدادهم و راحوا يصفون بيئتهم وما فيها من خصب و جمال و مستحدثات خضارة و تعلّقوا بها تعلّقا زاده حدّة ما كانوا يلقونه من عيون تتفتّح على تلك الجنان و اطماع تمتدّ الى معاقل العرب فى الأندلوس. و هكذا سادت لبشعر الأندلسي اقلميّة واضحة المعالم. فإذا الشاعر ينفعل اشدّ الأنفال لمرأى الأرض الّتي ترعرع عليها و تكوّنت ذكريات الصبّا و الشباب بين حنايها فينظلق لسانه بغناء عذب رقيق يصوّر لنا مفاتن البلاد ومحاسنها على النحو ما نرى فى الشعراء ابن حمديس وابن عبدون وابن خفاجة و لسان الدين بن الخظيب و ابن زيدون وابن عمار و المعتمد بن عباد و سواهم
  3. المشحات, مر بنا أن المرشحات من اختراع أهل الأندلس و انّها شعر جديد يختلف تمام الإختلاف عن القصيدة الكرسكيّة فى اوزانه و قوافيّة و شروط تركيبه. و ان كان لا يختلف عنها فى موضعاته. و لقد و ضعت الموشحات للغناء و استخدمت فى شتى الاغراض لكن أبرز ما عنيت به : الخمريّات و العزل و وصف الطبيعيّة و هذه الموضوعات متّصل بعضها ببعض فى حياة الاندلسي.

النثر فى المرحلة الإنتقاليّة        : فى هذه المرحلة حذا الحكّام و ملوك الطوائف خذو المشارقة فى الإهتمام بالدواوين و اختيار اصحاب الأقلام و الأساليب الأدبيّة الرافعيّة للعمل فيها و فرقّي الترسل و تنافس الكتاب فى تجويد الانشاء و كتابة المقالات و المؤلّفات و اصبح النثر الأندلس ذا مقام الرفيع و تعزز الكتاب و عظمت قيمتهم و تولّوا المناصب العاليّة حتّى بلغوا الوزارة كما بلغهما كتاب المشارقة.

فابن حزم وزر للامويين و لسان الدين بن الخطيب و زرّ لملوك غرناطه وابن زيدون وزر لبني جهور. وفي هذا العهد كثرت المؤلّفات النثريّة فتناولت اللغة و الأدب و الدين و التاريخ و الفلسفة و العلوم و الشؤون السياسيّة و العسكريّة الديوانيّة

أما أبرز مميّزات النثر الاندلسي كذاك, فالأناقة و الترسل و العناية بالأخراج والأساليب و الحرص على السمو و التفتن فى استخدام الوان الكلام و توفير.

  1. أما المرحلة الثالثة: هي المرحلة التجديد تعني المرحلة الأخيرة من نهضة الأدب الأندلسي, حيث بلغ فيها ذروته شعرا ونثرا. وقد رافق فى ذلك ازدها الحركة الفكرية ونهضة العلوم والمعارف. أما الشعر, فقد تحرر من المشارقة كل التحرر, وصار له اساليبه وفنونه المستمدة من الحياة الاندلسية الخاصة, كشعر الموشحات, وشعر الوصف والشعر الوجدانى, ورثاء الممالك الزائلة, والاستنجاد…الخ. وقد رأينا مدى التجديد فى الموشحات, من حيث الشكل والمضمون, عند درسنا لسان الدين بن الخطيب.[4]

 

المراجع

احمد أبو سعد وغيره, المفيد فى الأدب العربى. بيروت.

الشيخ أحمد الإسكندرى والشيخ مصطفى عنانى, دار المعارف: مكة

Yatim, Badri, Dirasah Islamiyyah II, (Jakarta: PT. Raja Grafindo, 1993)

Team IKIP Malang, Penyederhanaan dalam Pembahasan Kesusasteraan Arab dan Sejarahnya. (Malang: 1976)


[1] جوزيف الهاشم وغيره, الكتاب المفيد فى الأدب العربي 653

[2] Ibid 653

[3] Ibid 655

[4] Ibid 656

Tinggalkan komentar